فصل: شهر ربيع الثاني سنة 1220:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ربيع الأول سنة 1220:

استهل بيوم الخميس والأمر على ذلك مستمر من تجمع الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط.
وفي ليلة الثلاثاء سادسه، تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل أحمد باشا من القلعة ونحاسبه وتأخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم.
وفي ليلة الخميس ثامنه، حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الأجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم وأسلحة وأجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع أهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا إليهم وكبيرهم حجاج الخضي وإسماعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم أنفاراً وانحاز باقيهم إلى الوكالة فأغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم وأخرجهم ثم أرسل إلى محمد علي وأمرهم بالهروب من تلك الجهة.
وفي يوم الجمعة قتل العسكر شخصاً بناحية المظفر وآخر بناحية قنطره الأمير حسين.
وفي يوم السبت عاشره، حصل من بعض أفراد العسكر قبائح وقتلوا بعض أنفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضاً على أشخاص منهم وقتلوا منهم أيضاً وحضر طائفة من الأرنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق وحضر أيضاً طائفة ببيت السيد عمر أفندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب البيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقعى في الناس هوزعات وكرشات ثم أحضر حسن آغا نجاتي المحتسب وأمر الأفندي بالمناداة فمر وأمامه المنادي يقول حسبما رسم السيد عمر الأفندي والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ويحترسوا في أماكنهم وأخطاطهم وإذا تعرض لهم عسكري بأذية قابلوه بمثلها وإلا فلا يتعرضوا له وأخذ الناس يعملون متاريس في رؤس الأخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضاً شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضاً شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك.
وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلاً ومعه فرمان أرسله أحمد باشا المخلوع إلى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم أنه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة وإقامة لناموسها وناموس الدين وأن الفلاحين محاصرونه ومانعون عند الأكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان إليهم بقليوب أرسلوه إلى محمد علي وأرسله محمد علي إلى السيد عمر أفندي النقيب.
وفي يوم الأحد حادي عشره، وقعت أيضاً مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا إلى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة أنفار فأخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض أنفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم إليه ورجع.
وفي تلك الليلة أيضاً ذهب جماعة من العسكر إلى جهة الرميلة يطلبون أنفاراً منهم ساكنين بتلك الناحية أخذ أهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امرأة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة أواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم إلى جهة الصليبة وقتل بينهم أنفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه أمرها على أهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع أهل البلد وكذلك أهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضاً وإذا رقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع العسكر فرح من بالقلعة وأغروا أولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على أولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين أوباش مختلفة وطباع معوجة منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها أحد.
وفيه، حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعاً وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب إلى محاربة الألفي وأتباعه ومن معهم من العرب فأنهم أفحشوا في نهب البلاد ونهب الأموال ما لم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والأولاد ولم يذهبوا إلى ما وجهوا إليه.
وفي ليلة الأربعاء رابع عشره، حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري إلى بيت السيد عمر وحضر أيضاً الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والقاضي وتشاوروا على أمر ورأي رآه محمد علي باشا وأما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فإنه أخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم إليهم كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل أحمد باشا سراً ويرسل إليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل.
وفي ليلة السبت، أجمع رأي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو أنه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وأرسل إلى مخدومه يعلمه بذلك وأنه إذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي الدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب آغا وسليمان آغا وهما كبؤرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطاباً للسيد عمر أفندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها أنهما يريدان الحضور إلى جهة القلعة ويسعيان في أمر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين أنهم يرسلون إلى من بالمتاريس من العمة بأن يخلوا لهما طريقاً ولا يتعرضون لهما فحضر إلى السيد عمر أفندي النقيب من أخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل إلى من بالنواحي والجهات وأيقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا إلى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا إلى القلعة ومعها أنفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملاً فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من أهالي الرميلة وحاربوهم وأخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤس المقتولين إلى بيت السيد عمر فأرسلهم إلى محمد علي باشا فأمر بقتل الآخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الأزهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من أول النهار إلى بعد الظهر فلم ينزعج أهل البلد من ذلك لما ألفوه من أيام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء إلى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم أحد ولم يرموا عليهم شيئاً من الجبل مع استعدادهم لذلك وأصبحوا يوم الأحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الاثنين ويوم الاثنين هذا.
وفي كل ليلة يطلع إلى الجبل أربعة عشر جملاً تحمل قرب الماء على كل بعير أربع قرب وستة أقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم وأصعدوا جبخانة وجللاً وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضرباً قليلاً واستمر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة أماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الأربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه إلى آخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس أنهم تركوا ذلك احتراماً لليلة الجمعة.
وفي تلك الليلة، حضر جماعة من أهل الأطارف ليلاً وحرقوا باب الجبل وأوقدوا فيه النار فظن أهل الجبل أن أهل القلعة يريدون الخروج فضربوا عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة وأسرعوا إلى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضاً وتسامع الناس كثرة الضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من أتى إلى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الأمر.
وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا إلى جهة المحجر لأخذ شيء من الأكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة وأخذوا ما أخذوه من أهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث أتوا وأعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من أبنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصاً جهة الأزهر وذهبوا إلى ناحية الحسينية والأطارف وخرجت النساء هاربات إلى تلك النواحي وبولاق وانزعجوا من أوطانهم.
وفي يوم الأحد، أرسل كتخدا محمد علي باشا إلى السيد عمر وأشار عليه بإرسال العتالين والشيالين إلى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وأرسلوا أشخاصاً من الإنكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والأبقار وذهبوا إلى هناك وأحضروه وأخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين.
وفي ذلك اليوم، نزل أيضاً ستة أشخاص يريدون أخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا.
وفي ليلة الثلاثاء، نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضاً من أعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك إلى ليلة الجمعة الأخرى فسكن الرمي تلك الليلة وأصيب كثير من الدور والحيطان والأبنية وأصابت أشخاصاً قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين.

.شهر ربيع الثاني سنة 1220:

استهل بيوم الجمعة، فيه وردت أخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح آغا الذي كان يابقاً بمصر ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم، وعملوا شنكاً تلك الليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالأزبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على أبراج الأبواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع أهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والبنب، وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة، ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك، فاجتمع عليهم حجاج وأهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاروا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى أهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ، ونزل أيضاً طائفة وهجموا على الذنجزية وأرادوا سد فلوة المدفع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه آخر وأخذوا سلاحهم ورؤسهما، وأحضروهما إلى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ما هو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ، وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجزية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة، واجتماع الناس والعامة بالأخطاط والنواحي وضربوا طبولاً ومزامير ونقرزانات، وكانت ليلة من الغرائب، وأصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي بالمدافع والبنب.
وفي يوم الأحد، سافرت أنفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح آغا وصحبتهم طائفة من العسكر أرسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين، ثم بطل ذلك وأرسل السيد عمر أفندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش وأحمد أوده باشا.
وفي ليلة الثلاثاء، أشيع وصول القابجي إلى بولاق ليلاً، فخرج كثير من العامة لملاقاته أفواجاً واصطفوا في الأسواق للفرجة عليه، واستمروا على ذلك الرج بطول النهار، ولم يصل أحد، ثم تبين عدم وصوله وأنه وصل إلى ثغر رشيد، وفي ذلك اليوم وقت الشروق حصلت زلزلة عظيمة وارتجت الأرض نحو أربع درجات.
وفي يوم الأربعاء، سافر جماعة من المتعممين وهم السيد محمد الدواخلي وابن الشيخ الأمير والشيخ بدوي الهيثمي وابن الشيخ العروسي، واستمر الحال على ذلك اليوم، ويوم الخميس والجمعة ولم يبطل رمي المدافع والبنب ليلاً ونهاراً في غالب الأوقات ما عدا ليلة الجمعة ويومها إلى العصر.
وفي ليلة الاثنين، وصل الخبر بوصول القابجي إلى قليوب وأنه طلع إلى بر فوة وسار من هناك، وحضر في ذلك اليوم المشايخ الذين كانوا ذهبوا لملاقاته، فلما أشيع ذلك اجتمع الناس وطوائف العامة وخرجوا من آخر الليل وهم بالأسلحة والعدد والطبول إلى خارج باب النصر ووقفوا بالشوارع والسقائف للفرجة، وكذلك النساء والصبيان وازدحموا ازدحاماً زائاً، ووصل الآغا المذكور وصحبته سلحدار الوزير إلى زاوية مرداش ونزلا هناك وعمل لهما إسماعيل الطبجي الفطور فأكلاه وشربا القهوة وركبا وانجرت الطوائف والغوغاء من العامة وهم يضربون بالبنادق والقرابين والمدافع من أعلى سور باب النصر والفتوح واستمر مرورهم نحو ثلاث ساعات وخرج كتخدا محمد علي وأكابر الأرنؤد وطائفة من العسكر كبيرة والوجاقلية وكثير من الفقهاء العاملين رؤس العصب وأهالي بولاق ومصر القديمة والنواحي والجهات مثل أهل باب الشعرية والحسينية والعطوف وخط الخليفة والقرافتين والرميلة والحطابة والحبالة وكبيرهم حجاج الخضري وبيده سيف مسلول وكذلك ابن شمعة شيخ الجزارين وخلافه ومعهم طبول وزمور والمدافع والقنابر والبنبات نازلة من القلعة فلم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى الأزبكية فنزلوا بيت محمد علي باشا وحضر المشايخ والأعيان وقرؤوا المرسوم الذي معه ومضمونه الخطاب لمحمد علي باشا والي جدة سابقاً ووالي مصر حالاً من ابتداء عشرين ربيع أول حيث رضي بذلك العلماء والرعية وأن أحمد باشا معزول عن مصر وأن يتوجه إلى سكندرية بالإعزاز والإكرام حتى يأتيه الأمر بالتوجه إلى بعض الولايات وسكن صالح آغا القابجي المذكور ببيت الخواجا محمود حسن بالأزبكية وسكن السلحدار عند السيد محمد بن المحروقي.
وفي يوم الثلاثاء، ركب السيد عمر في جمع كثير من العسكر من أولاد البلد والمغاربة والصعائدة والأتراك والكل بالأسلحة وذهب إلى عند علي باشا وجلس عنده حصة وذهب إلى القابجي وسلم عليه وذهب إلى السلحدار أيضاً وسلم عليه ورجع.
وفيه بطل الرمي من القلعة وكذلك أبطلوا الرمي عليها من الجبل والذنجزية مع بقاء المحاصرة والمتاريس حول القلعة من الجهات ومنع الواصل إليهم واستمرار من بالجبل ويطلع إليهم في كل يوم الجمال الحاملة للخبز وقرب الماء واللوازم وأما الدلاة فاستقروا بمحلة أبي علي وطلبوا الفرد والكلف من البلاد ووصل محمد بك الألفي إلى دمنهور البحيرة فتمنعوا عليه فحاصر البلد وضربوا عليه أياماً كثيرة.
وفيه، وقع بباب الشعرية مناوشة بين العسكر وأولاد البلد بسبب سكن البيوت وكذلك جهة باب اللوق وبولاق ومصر القديمة وقتل بينهم أنفار وقتل أيضاً المتكلم بمصر القديمة وحصلت زعجات في الناس.
وفي يوم الأربعاء، مر بعض أولاد البلد بجهة الخرنفش فضربه بعض عسكر حجو الساكن ببيت شاهين كاشف فقتله فثارات أهل الناحية وتضاربوا بالرصاص واجتمع العسكر بتلك الناحية ودخلوا من حارة النصارى النافذة من بين السورين وصعدوا إلى البيوت ونقبوا نقوباً وصاروا يضربون على الناس من الطيقان واجتمع الناس وانزعجوا وبنوا متاريس عند رأس الخرنفش ومرجوش وناحية الباسطية براس الدرب وتحاربوا وقتل بينهم أشخاص من الفريقين ونهب العسكر وعدة دور وتسلقوا على بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم وذبحوه ونهبوا بيته الذي براس الخرنفش وكذلك رجل زيات وعبد صالح آغا الجلفي وحسن ابن كاتب الخردة وكانت واقعة شنيعة استمرت إلى العصر وحضر الآغا وكتخدا محمد علي فلم تسكن الفتنة وحضر أيضاً إسماعيل الطبجي هذه الحادثة أن رجلاً عسكرياً اشترى من رجل خردجي ملاعق ثم ردها من الغد فلم يرض وتسابا فضربه العسكري فصاح الخردجي وقال ما حيل من الله يضرب النصراني الشريف فاجتمع عليه الناس وقبضوا عليه وسحبوه إلى بيت النقيب فلما قربوا من البيت ضربوه وقتلوه وأخرجوه إلى تل البرقية ورموه هناك فحصل بسبب ذلك ما ذكر.
وفيه، أرسلوا صورة المكاتبة الواردة مع صالح آغا إلى الباشا فلم يمتثل وامتنع من النزول وقال أنا متول بخطوط شريفة وأوامر منيفة ولا أنعزل بورقة مثل هذه وطلب الاجتماع بصالح آغا السلحدار يخاطبهم مشافهة وينظر في كلامهم وكيفية مجيئهم فلم يرضوا بطلوع المذكورين إليه.
وفي يوم الخميس، وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم أشخاص.
وفيه، تواترت الأخبار بقدوم الأمراء المصريين القبليين إلى جهة مصر.
وفيه، اجتمع الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وغالب المتعممين وقالوا إيش هذا الحال وما تداخلنا في هذا الأمر والفتن واتفقوا أنهم يتباعدون عن الفتنة وينادون بالأمان وأن الناس يفتحون حوانيتهم ويجلسون بها وكذلك يفتحون أبواب الجامع الأزهر ويتقيدون بقراءة الدروس وحضور الطلبة وركبوا إلى محمد علي وقالوا له أنت صرت حاكم البلدة والرعية ليس لهم مقارشة في عزل الباشا ونزوله من القلعة وقد أتاك الأمر فنفذه كيف شئت وأخبروه برأيهم فأجابهم إلى ذلك وركب الآغا وصحبته بعض المتعممين ونادوا في المدينة بالأمن والأمان والبيع والشراء وأن الناس يتركون حمل الأسلحة بالنهار وإذا وقع من بعض العسكر قباحة رفعوا أمره إلى محمد علي وإن كان من الرعية رفعوه إلى بيت السيد عمر النقيب وإذا دخل الليل حملوا الأسلحة وسهروا في أخطاطهم على العادة وتحفظوا على أماكنهم فلما سمع الناس ذلك أنكروه وقالوا إيش هذا الكلام حينئذ نصير طعمة للعسكر بالنهار وخفراء بالليل والله لا نترك حمل أسلحتنا ولا نمتثل لهذا الكلام ولا هذه المناداة ومر الآغا ببعض العامة المتسلحين فقبض عليهم وأخذ سلاحهم فازدادوا قهراً وباتوا على ذلك واجتمعوا عند السيد عمر النقيب وراجعوه في ذلك فاعتذر وأخبر بأن هذا الأمر على خلاف مراده.
وفي ليلة الجمعة، المذكورة حصل خسوف قمر كلي وكان ابتداؤه من بعد العشاء الأخيرة بنصف ساعة وانجلى في سابع ساعة وأصبح يوم الجمعة فحضر عند السيد عمر كتخدا بك وعابدي بك في جمع من العسكر وجلسوا عنده ساعة وذكروا له أن في عضرها يرسلون إلى الباشا الكائن بالقلعة ويجتمعون عليه بالنزول فإن أبى جدوا في قتاله ومحاربته وذكروا أنه ممالئ الأمراء القبالي وهو الذي أرسل بحضورهم ومطعمهم في المملكة فلزم الاجتهاد في إنزاله من القلعة ثم يتفرغون لمحاربة القادمين ويخرجون إليهم بالعساكر ثم قاموا من عنده وذهبوا إلى بيت القاضي وحضر جحو آغا الذي كان يحارب بالخرنفش فرجع صحبته كتخدا بك عند السيد عمر ليأخذ بخاطره وصحبته طائفة من العسكر فوقفوا متفرقين ودخل منهم طائفة إلى بيت الشيخ الشرقاوي وباقيهم بالشارع وتجمع حولهم أهالي البلد بالأسلحة فاتفق بينهم انطلاق بندقية إما خطأ أو قصداً فهاجت الناس وماجت واجتمعوا من كل ناحية وخرج جاويشية النقابة إلى نواحي الدائرة ينادون في الناس ويقولون عليكم ببيت السيد عمر النقيب يا مسلمين انجدوا إخوانكم وحصلت من تلك البندقية التي انطلقت فزعة عظيمة وصاح السيد عمر على الناس من الشباك يأمرهم بالسكون والهجوع فلم يسمعوا له ونزل إلى أسفل ووقف بباب داره يصيح بالناس فلا يزدادون إلا خباطاً وأقبلوا طوائف من كل جهة فصار يأمرهم بالمرور والخروج إلى جهة باب البرقية ولم يزالوا على ذلك إلى بعد صلاة الجمعة حتى سكن الحال وقام جحو والكتخدا حتى تغديا مع السيد عمر وركبا وذهبا ونودي في عصر ذلك اليوم بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء ولا يرفعون معهم السلاح بل يحملونه معهم في حوانيتهم تحذراً من غدر العسكر وفتحوا أبواب الأزهر.
وفي يوم السبت، فتح الناس بعض الحوانيت ونزل المشايخ إلى الجامع الأزهر وقرؤوا بعض الدروس ففترت همم الناس ورموا الأسلحة وأخذوا يسبون المشايخ ويشتمونهم لتخذيلهم إياهم وشمخ عليهم العسكر وشرعوا في أذيتهم وتعرضوا لقتلهم وإضرارهم.
وفي يوم الأحد، قتلوا أشخاصاً في جهات متفرقة وضج الناس وأغلقوا الدكاكين وكثرت شكاويهم وأقلقوا السيد عمر النقيب وهو يعتذر إليهم ويقول لهم اذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير فهما اللذان أمرا الناس برمي السلاح، فلما زادت الشكوى نادوا في الناس بالعود إلى حمل السلاح والتحذر.
وفيه وصل الأمراء القبليون إلى قرب الجيزة وعدى منهم طائفة إلى البر الشرقي جهة دير الطين والبساتين وهم عباس بك ومحمد بك المنفوخ ورشوان كاشف وهدموا قلاع طرا وساووها بالأرض.
وفي يوم الاثنين، ركب محمد علي وخرج إلى جهة مصر القديمة وصحبته حسن باشا وأخوه عابدي بك، فنزل بقصر يلفيه وأقاموا إلى العصر، وخرج كثير من العسكر إلى ناحية مصر القديمة، ثم ركب محمد علي وحسن باشا وأخوه إلى أخر النهار وساقوا إلى جهة البساتين ومعهم العساكر أفواجاً، فلما قربوا من الأمراء المصريين تقهقروا إلى خلف ورجعوا إلى جهة قبلي وقيل عدوا إلى بر الجيزة وانضم إليهم علي باشا الذي بالجيزة واستمر محمد علي ومن معه بمصر القديمة وتراموا بالمدافع.
وفي يوم الثلاثاء، حضر أيضاً جماعة من القبليين إلى الجيزة وتراموا بالمدافع والبنب من البرين ذلك اليوم وليلة الأربعاء.
وفيه عدى طائفة الدلاة الكائنين بالبر الغربي وانضم إليهم المقيمون بجزيرة بدران وحضروا إلى بولاق وهجموا على البيوت وأخرجوا سكانها قهراً عنهم وأزعجوهم من أوطانهم وسكنوها وربطوا خيولهم بخانات التجار، ووكالة الزيت، فحضر الكثير من أهالي بولاق إلى بيت السيد عمر وتظلموا وتشكوا فأرسل إلى كتخدا بك يمنعهم من ذلك، فلم يمتنعوا واستمروا على فعلهم وقبائحهم.
وفيه طلب محمد علي باشا دراهم سلفة من النصارى والتجار وقرروا فردة على البلاد والبنادر وهي أول طلبة طلبها بعد رآسته.
وفيه أرسلوا بنائين وخمسمائة فاعل لبناء ما تهدم من حصون طرا.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه، وردت أخبار بوصول قبطان باشا إلى ثغر سكندرية وأبي قير وصحبته مراكب كثيرة لا يعلم المرسون أخبار من بها، فاجتمع المشايخ واتفقوا على كتابة عرضحال يرسلونه إليه مع بعض المتعممين، ثم اختلفت آراؤهم في ذلك، فلما كان يوم الاثنين ورد الخبر بورود سلحدار قبطان المذكور إلى شلقان فأعرضوا عن ذلك.
وفيه وقع طائفة من العسكر الكائنين ببولاق وأهل البلد مناوشة بسبب نقب البيوت وقتل بينهم أنفار واستظهر عليهم أهل بولاق.
وفي يوم الثلاثاء، وصل السلحدار إلى بولاق وركب من هناك إلى المكان الذي أعد له وصحبته مكاتبة إلى أحمد باشا المخلوع ومضمونها الأمر بالنزول من القلعة ساعة وصول الجواب إليه من غير تأخير وحضوره إلى الإسكندرية وجواب آخر إلى محمد علي بإبقائه في القائمقامية حيث ارتضاه الكافة والعلماء والوصية بالسلوك والرفق بالرعية والكلام المحفوظ المعتاد الذي لا أصل له وأن يقلد من قبله باشا على عسكر يعين إرساله إلى البلاد الحجازية ويسهل له جميع احتياجاته من الجبخانة وسائر الاحتياجات واللوازم فأرسلوا إلى أحمد باشا المخلوع بجوابه فقال حتى يطلع إلى السلحدار الواصل ويخاطبني مشافهة.
وفي صبح يوم الأربعاء، قبض المحافظون على خيال مقبل من جهة مصر القديمة يريد الطلوع إلى القلعة من آخر النهار وجدوا معه أوراقاً فأخذوه إلى محمد علي باشا فوجدوا في ضمنها خطاباً إلى الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك الكائنين بالجيزة مضمونها أنه في صبح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون إشارة بيننا وبينكم، فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبنب على بيت محمد علي، ونحن نعدى إلى مصر القديمة ويصل البرديسي من خلف الجبل إلى جهة العادلية ويأتي باقي المصريين من ناحية طرا ويقوم من بالبلدة على من فيها فيشغلون الجهات ويتم المرام بذلك، فلما اطلع محمد علي على ذلك وكان القاضي حاضراً عنده اشتد غيظه على ذلك الرجل ووجده من الأكراد فاستجار بالقاضي، فلم يجره وأمر به فأخذوه وقتلوه ورموه ببركة الأزبكية.
وفي يوم الخميس أحضروا سبعة رؤوس وعلقوها على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا أنها من ناحية دمنهور وعلى أحدها ورقة مكتوبة أنها رأس شاهين بك الألفي وأخرى سلحداره وهي متغيرة جداً ومحشوة تبناً ولا يظهر لها خلق، ولم يكن لذلك صحة.
وفيه أخبر الإخباريون بأن الألفي ارتحل من دمنهور، ولم ينل منها غرضه وأنه كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه وقيل أنه قتل وفي رواية وقع إلى البحر وهرب باقي أتباعه إلى جهة المنوات في أسوأ حال وأخذ منه شيئاً كثيراً وهو ما جمعه في هذه السرحة، وذلك خلاف ما جمعه في العام الماضي عندما كان كاشفاً بمنوف، ومن ذلك أنه لما قتل موسى خالداً أخذ منه مالاً كثيراً، وذلك خلاف ما دل عليه من خباياه.
وفي تلك الليلة، طلع السلحدار المذكور وصحبته صالح آغا القابجي الذي وصل قبله إلى القلعة واجتمع بأحمد باشا المخلوع وتكلما معه فقال أنا لست بعاص ولا مخالف للأوامر وإنما لصالح آغا وعمر علائف نحو خمسمائة كيس باقية، ولم يبق عندي شيء سوى ما على جسدي من الثياب، وقد أخذ العسكر المحاربون موجوداتي جميعاً فإذا طيبتم خواطرهما نزلت في الحال فنزلا بذلك الجواب، ثم ترددوا في الكلام والعقد والإبرام ولم يحسن السكوت على شيء.
وفيه وصل الأمراء القبالي إلى حلوان وعلي بك أيوب دخل إلى الجيزة صحبة من بها وسليمان بك خارجها.
وفي يوم الجمعة، عدى ياسين بك من الجيزة إلى متاريس الروضة، ولم يكن بها سوى الطبجية، فطلعوا إليهم وقبضوا على بعضهم، وأخذوا منهم ثلاثة مدافع وسدوا فالية المدفع الكبير وآخر رموه إلى البحر، فثارت رجة بمصر القديمة والروضة وضربوا بالمدافع والرصاص ورجع الواصلون من الجيزة إلى أماكنهم وحضر الألفي إلى جهة الطرانة.
وفيه حضر صالح آغا القابجي إلى السيد عمر النقيب وأخبره أنهم تواعدوا مع أحمد باشا في عصر غد من يوم السبت إما أن ينزل أو يستمر على عصيانه، فلما كان يوم السبت في الميعاد أفرجوا عن ضعفاء الرعية الكائنين بالقلعة، وكذلك النساء بعدما أخذوا ما معهم من الأمتعة والثياب وأبقوا عندهم الشبان والأقوياء للمعاونة في الأشغال، وأظهروا المخالفة وامتنعوا من النزول وباتوا على ذلك، وكث اللغط في الناس وانقضى شهر ربيع الثاني على ذلك.